همس القلوب
عدد المساهمات : 46 نقاط : 55264 تاريخ التسجيل : 13/10/2009 العمر : 41 الموقع : غاده الجنةhttp://alghada.com/
| موضوع: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 12:54 pm | |
| رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة أخيرًا التفت العالم المتحضر في هذا القرن إلى ذوي الاحتياجات الخاصة!! بعدما نحّى جانبًا نظريات عنصرية، فاسدة، تدعو إلى إهمالهم، بزعم أن هؤلاء -أمثال الصم والبكم والعمي والمعاقين ذهنيًّا- لا فائدة منهم ترتجى للمجتمع.. ولقد قدرت منظمة العمل الدولية في تقرير لها عام (2000م) عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بأكثر من (610) ملايين نسمة، منهم (400) مليون نسمة في الدول النامية، وفي تقرير للبنك الدولي، تمثل هذه الفئة 15% تقريبًا من نسبة السكان في كل دولة من دول العالم. الفئات الخاصة في المجتمعات السابقة : وإذا نظرنا -سريعًا- إلى تاريخ الغرب مع ذوي الاحتياجات الخاصة، نجد مجتمعات أوروبا القديمة، كروما وإسبرطا قد شهدت إهمالاً واضطهادًا صارخًا لهذه الفئة من البشر، فلقد كانت هذه المجتمعات -حكامًا وشعوبًا- تقضي بإهمال أصحاب الإعاقات، وإعدام الأطفال المعاقين. وكانت المعتقدات الخاطئة والخرافات هي السبب الرئيسي في هذه الانتكاسة، فكانوا يعتقدون أن المعاقين عقليًّا هم أفراد تقمصتهم الشياطين والأرواح الشــريرة. وتبنّى الفلاسفة والعلماء الغربيون هذه الخرافات، فكانت قوانينليكورجوس) الإسبرطي و(سولون) الأثيني تسمح بالتخلص ممن بهم إعاقة تمنعه عن العمل والحرب، وجاء الفيلسوف الشهير (أفلاطون) وأعلن أن ذوي الاحتياجات الخاصة فئة خبيثة وتشكل عبئًا على المجتمع، وتضر بفكرة الجمهورية.. أما (هيربرت سبنسر) فقد طالب المجتمع بمنع شتى صور المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، بزعم أن هذه الفئة تثقل كاهل المجتمع بكثير من الأعباء دون فائدة. بيد أن العرب -وإن كانوا يقتلون البنات خشية العار- كانوا أخف وطأة وأكثر شفقة على أهل البلوى والزمنى، وإن كانوا يتعففون عن مؤاكلة ذوي الاحتياجات الخاصة أو الجلوس معهم على مائدة طعام. وفي الوقت الذي تخبط فيه العالم بين نظريات نادت بإعدام المتخلفين عقليًّا وأخرى نادت باستعمالهم في أعمال السخرة اهتدى الشرق والغرب أخيرًا إلى "فكرة" الرعاية المتكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة.. في ظل هذا كله نرى رسولنا المربي المعلم صلى الله عليه وسلم كيف كانت رحمته لهذه الفئة من بني البشر، وهذا غيض من فيض رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة. رعاية النبي لذوي الاحتياجات الخاصة: فعن أنس رضي الله عنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة! فَقَالَ: "يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغت من حاجتها(1). وهذا من حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة.. وفي هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل الحاكم برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، صحيًّا واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، ونفسيًّا، والعمل على قضاء حوائجهم، وسد احتياجاتهم. ومن صور هذه الرعاية - العلاج والكشف الدوري لهم. - تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي تسمح به قدراتهم ومستوياتهم. - توظيف مَن يقوم على رعايتهم وخدمتهم. ولقد استجاب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لهذا المنهج النبوي السمح، فأصدر قرارًا إلى الولايات: "أن ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في الديوان أو مُقعَد أو مَن به فالج أو مَن به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة. فرفعوا إليه"، وأمر لكل كفيف بموظف يقوده ويرعاه، وأمر لكل اثنين من الزمنى -من ذوي الاحتياجات- بخادمٍ يخدمه ويرعاه(2) . وعلى نفس الدرب سار الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك -رحمه الله تعالى-، فهو صاحب فكرة إنشاء معاهد أو مراكز رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ [عام 707م - 88هـ] مؤسسة متخصصة في رعايتهم، وظّف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب، ومنح راتبًا دوريًّا لذوي الاحتياجات الخاصة، وقال لهم: "لا تسألوا الناس"، وبذلك أغناهم عن سؤال الناس، وعين موظفًا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو ضرير(3). الأولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم وإذا كان الإسلام قد قرر الرعاية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على قضاء حوائجهم، فقد قرر أيضًا أولوية هذه الفئة في التمتع بكافة هذه الحقوق، فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم مقدمة على رعاية الأكفاء، ففي حادثة مشهورة أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبس في وجه رجل أعمى -هو عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه- جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم إلى الإسلام، ورغم أن الأعمى لم يرَ عبوسه، ولم يفطن إليه، فإن المولى تبارك وتعالى أبى إلا أن يضع الأمور في نصابها، والأولويات في محلها، فأنزل سبحانه آيات بينات تعاتب النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا: يقول الله فيها: ]عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى[ [عبس: الآيات 1 - 5] ( | |
|
همس القلوب
عدد المساهمات : 46 نقاط : 55264 تاريخ التسجيل : 13/10/2009 العمر : 41 الموقع : غاده الجنةhttp://alghada.com/
| موضوع: رد: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 12:56 pm | |
| يقول الباحث الإنجليزي "لايتنر" معلقًا على هذا الحادث: ".. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحيًا شديدالمؤاخذة؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذويالنفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان صلى الله عليه وسلم كما يقول أغبياءالنصارى بحقه صلى الله عليه وسلم لما كان لذاك الوحي من وجود!"(4) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -بعد ذلك- يقابل هذا الرجل الضرير، فيهشله ويبش، ويبسط له الفراش، ويقول له: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي!"(5) ففي هذه القصة، نرى علّة المعاتبة؛ لكونه صلى الله عليه وسلم انشغل بدعوةالوجهاء عن قضاء حاجة هذا الكفيف، وكان الأولى أن تُقضى حاجته، وتقدم علىحاجات من سواه من الناس. وفي هذه القصة دلالة شرعية على تقديم حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة على حاجات من سواهم. عفوه صلى الله عليه وسلم عن سفهائهم وجهلائهم: وتجلت رحمة الحبيب صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة، في عفوه عنجاهلهم، وحلمه على سفيههم، ففي معركة أحد [شوال 3هـ - إبريل 624م]، لماتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه صوب أحد، وعزم على المرور بمزرعةلرجل منافق ضرير، أخذ هذا الأخير يسب النبي صلى الله عليه وسلم وينال منه،وأخذ في يده حفنة من تراب وقال -في وقاحة- للنبي صلى الله عليه وسلم : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها! حَتى همَّ أصحاب النبيبقتل هذا الأعمى المجرم، فأبي عليهم -نبي الرحمة- وقال: "دعوه!"(6). ولم ينتهز رسول الله ضعف هذا الضرير، فلم يأمر بقتله أو حتى بأذيته، رغمأن الجيش الإسلامي في طريقه لقتال، والوضع متأزم، والأعصاب متوترة، ومعذلك لما وقف هذا الضرير المنافق في طريق الجيش، وقال ما قال، وفعل ومافعل، أبى رسول الله إلا العفو عنه، والصفح له، فليس من شيم المقاتلينالمسلمين الاعتداء على أصحاب العاهات أو النيل من أصحاب الإعاقات، بل كانتسنته معهم؛ الرفق بهم، والاتعاظ بحالهم، وسؤال الله أن يشفيهم ويعافينامما ابتلاهم. تكريمه ومواساته صلى الله عليه وسلم لهم:- فعن عائشة رضي الله عنه أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: "إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكًا في طلب العلم سهلت لهطريق الجنة ومن سلبت كريمتيه [يعني عينيه] أثَبْته عليهما الجنة..." (7) وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ربالعزة - قال: "إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين، لم أرضَ له ثوابًادون الجنة، إذا حمدني عليهما"(8). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لكل أصحاب الإصابات والإعاقات: "مَا مِنْمُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَادَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ"(9). | |
|
همس القلوب
عدد المساهمات : 46 نقاط : 55264 تاريخ التسجيل : 13/10/2009 العمر : 41 الموقع : غاده الجنةhttp://alghada.com/
| موضوع: رد: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 12:58 pm | |
| ففي مثل هذه النصوص النبوية والأحاديث القدسية، مواساة وبشارة لكل صاحبإعاقة؛ إذا صبر على مصيبته، راضيًا لله ببلوته، واحتسب على الله إعاقته،فلا جزاء له عند الله إلا الجنة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن عمرو بن الجموح رضي الله عنه،تكريمًا وتشريفًا له: "سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح" وكان أعرج، وقدقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذهصحيحة في الجنة"، وكان رضي الله عنه يُولِم على رسول الله صلى الله عليهوسلم إذا تزوج(10). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى(11) . وعن عائشة رضي الله عنه أن ابن أم مكتوم كان مؤذنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى(12). وعن سعيد بن المسيب رحمه الله أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم،وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أنتأكلوا مما في بيوتنا(13) . وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو جالسقال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيبت رجله في سبيل الله تعالى(14). وهكذا كان المجتمع النبوي، يتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة،ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في تشريفهم، وكل ذلك اقتداء بمنهج نبي الرحمةصلى الله عليه وسلم مع ذوي الاحتياجات الخاصة. زيارته صلى الله عليه وسلم لهم: وشرع الإسلام عيادة المرضى عامة، وأصحاب الإعاقات خاصة؛ وذلك للتخفيف منمعاناتهم.. فالشخص المعاق أقرب إلى الانطواء والعزلة والنظرة التشائمية،وأقرب من الأمراض النفسية مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ إهمال المعاقين فيالمناسابات الاجتماعية، كالزيارات والزواج.. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضى، فيدعو لهم، ويطيبخاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة، وينشر على قلوبهم الفرح، ويرسم على وجوههالبهجة، وتجده ذات مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف المدينة، خصيصًا؛ ليقضي لهحاجة بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت المبتلى تلبية لرغبته.. فهذاعِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه -وكان رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقولللنبي صلى الله عليه وسلم :وددتُ يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتيفأتخذه مصلى. فوعده صلى الله عليه وسلم بزيارة وصلاة في بيته قائًلا -في تواضع جم-: "سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ".. قال عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهارفاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنتُ له فلم يجلس حتى دخل البيت،ثم قال: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ"، فأشرتُ له إلىناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا، فصفنا،فصلى ركعتين، ثم سلم(15) . الدعاء لهم | |
|
همس القلوب
عدد المساهمات : 46 نقاط : 55264 تاريخ التسجيل : 13/10/2009 العمر : 41 الموقع : غاده الجنةhttp://alghada.com/
| موضوع: رد: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 12:59 pm | |
| وتتجلى -أيضًا- رحمة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالفئات الخاصة -من ذويالاحتياجات- عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا لهم، وتحميسًا لهم على تحملالبلاء.. ليصنع الإرادة في نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم.. فذات مرة،جاء رجل ضرير البصرِ إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم .. فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْ يُعافيني.. قَالَ الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم : "إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ صبرتَ فهوَ خيرٌ لك". قَالَ: فادعُهْ. فأمرَهُ أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ ويدعو بهذاالدعاء: "الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ مُحَمَّدنبيِّ الرَّحمةِ إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي في حاجتي هذِهِ لتُقْضَىلي، الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ"(16) . وأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امرأة تُصرع، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي! فقَال النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". فقالت: أَصْبِرُ. ثم قالت: إِنِّي أَتَكَشَّفُ! فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا صلى الله عليه وسلم ( 17). وهكذا المجتمع الإسلامي؛ يدعو -عن بكرة أبيه- لأصحاب الإعاقات والعاهاتوما رأينا مجتمعًا على وجه الأرض يدعو بالشفاء والرحمة لأصحاب الاحتياجاتالخاصة، غير مجتمع المسلمين، ممن تربوا على منهج نبي الإسلام!. تحريم السخرية منهم: كان ذوو الاحتياجات الخاصة، في المجتمعات الأوروبية الجاهلية، مادةللسخرية، والتسلية والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين نارين، نار الإقصاءوالإبعاد، ونار السخرية والشماتة، ومن ثَم يتحول المجتمع -في وجدان أصحابالإعاقات- إلى دار غربة، واضهاد وفرقة.. فجاء الشرع الإسلامي السمح؛ليحرّم السخرية من الناس عامة، ومن أصحاب البلوى خاصة، ورفع شعار "لا تظهرالشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك". وأنزل الله تعالى آيات بينات تؤكدتحريم هذه الخصلة الجاهلية، فقال: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىأَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَنيَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَاتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَالْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ [الحجرات: 11] كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْط الناس" (18) .."وغمط الناس": احتقارهم والاستخفاف بهم، وهذا حرام، فإنه قد يكونالمبتلى أعظم قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً على الناس، علمًا وجهادًا،وتقوى وعفة وأدبًا.. ناهيك عن القاعدة النبوية العامة، الفاصلة: "فَإِنَّاللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْوَأَعْرَاضَكُمْ"(19). ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، من تضليل الكفيف عنطريقه، أو إيذائه، عبسًا وسخرية، فقال:"مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَىعَنْ طَرِيقٍ"(20) فهذا وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب الخلقية سببًا للتندر أو التلهي أوالسخرية، أو التقليل من شأن أصحابها، فصحاب الإعاقة هو أخ أو أب أو ابنامتحنه الله؛ ليكون فينا واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله، لا أن نجعله مادةللتلهي أو التسلي. رفع العزلة والمقاطعة عنهم: فقد كان المجتمع الجاهلي القديم، يقاطع ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعزلهم،ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، كحقهم في الزواج، والاختلاط بالناس. فقد كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم فيطعامهم أعرج ولا أعمى ولا مريض، وكان الناس يظنون بهم التقذّر والتقزّز. فأنزل الله تعالى: ]لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَاعَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِنبُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْبُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِأَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْبُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاًفَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةًمِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُلَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون[ [النور: 61] (21). أي ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض والأعمى والأعرج، فهؤلاء بشر مثلكم،لهم كافة الحقوق مثلكم، فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا تهجروهم، فأكرمكمعند الله أتقاكم، "والله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم، ولكن ينظرإلى قلوبكم". وهكذا نزل القرآن، رحمة لذوي الاحتياجات الخاصة، يواسيهم، ويساندهمنفسيًّا، ويخفف عنهم. وينقذهم من أخطر الأمراض النفسية التي تصيبالمعاقين، جراء عزلتهم أو فصلهم عن الحياة الاجتماعية. وبعكس ما فعلت الأمم الجاهلية، فلقد أحل الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصةالزواج، فهم -والله- أصحاب قلوب مرهفة، ومشاعر جياشة، وأحاسيس نبيلة، فأقرلهم الحق في الزواج، ما داموا قادرين، وجعل لهم حقوقًا، وعليهم واجبات،ولم يستغل المسلمون ضعف ذوي الاحتياجات، فلم يأكلوا لهم حقًّا، ولم يمنعواعنهم مالاً، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ؛ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلاً..."(22). التيسير عليهم ورفع الحرج عنه : ومن الرحمة بذوي الاحتياجات الخاصة مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ منالأحكام التكليفية، والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد بن ثابت رضيالله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: "لا يستوي القاعدونمن المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله". قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها "علي" رضي الله عنه (لتدوينها)، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهادلجاهدت، وكان رجلاً أعمى، قال زيد بن ثابت: فأنزل الله تبارك وتعالى علىرسوله صلى الله عليه وسلم ، وفخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضفخذي [من ثقل الوحي]، ثم سُرّي عنه، فأنزل الله عز وجل: ]غَيْرُ أُوْلِيالضَّرَرِ(23) . وقال تعالى -مخففًا عن ذوي الاحتياجات الخاصة-: ]لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَىحَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌوَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنتَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً[ [الفتح: 17 ] فرفع عنهم فريضة الجهاد في ساح القتال، فلم يكلفهم بحمل سلاح أو الخروجإلى نفير في سبيل الله، إلا إن كان تطوعًا.. ومثال ذلك، قصة عمرو بنالجموح رضي الله عنه في معركة أحد، فقد كان رضوان الله عليه رجلاً أعرجشديد العرج، وكان له بنون أربعة، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلمالمشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قدعذرك! فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسونيعن هذا الوجه والخروج معك فيه. فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه فيالجنة! فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم :"أما أنت فقد عذرك الله فلاجهاد عليك"، ثم قال لبنيه: "ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقهالشهادة"، فخرج مع الجيش فقتل يوم أحد (24). بيد أن هذا التخفيف الذي يتمتع به المعاق في الشرع الإسلامي، يتسمبالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه قدراستطاعته، يقول القرطبي: "إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر،وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال معوجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاةوأركانها، والجهاد ونحو ذلك"(25). ومثال ذلك الكفيف والمجنون، فالأول مكلف بجلّ التكاليف الشرعية باستثناءبعض الواجبات والفرائض كالجهاد.. أما الثاني فقد رفع عنه الشارع السمح كلالتكاليف، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ،وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ" (26). فمهما أخطأ المجنون أو ارتكب من الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه، فعن ابنعباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أنترجم، فمرّ بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم. فقال: ارجعوا بها! ثمأتاه، فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة، عنالمجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟! قال: لا شيء. قال علي: فَأَرْسِلْهَا. فَأَرْسَلَهَا. فجعل عمر يُكَبِّرُ (27). هكذا كان المنهج النبوي في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، في وقت لمتعرف فيه الشعوب ولا الأنظمة حقًّا لهذه الفئة، فقرر -الشرع الإسلامي- الرعاية الكاملة والشاملة لذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في سلم أولوياتالمجتمع الإسلامي، وشرع العفو عن سفيههم وجاهلهم. وتكريم أصحاب البلاءمنهم، لا سيما من كانت له موهبة أو حرفة نافعة أو تجربة ناجحة، وحث علىعيادتهم وزيارتهم، ورغب في الدعاء لهم، وحرّم السخرية منهم، ورفع العزلةوالمقاطعة عنهم، ويسّر عليهم في الأحكام ورفع عنهم الحرج. فالله في شريعةالإسلام ونبي الإسلام!. ( أرجو أن يتم تثبيته لأنه من الأسس التي يجب أن تعتمد عليه جميع برامج التربية الخاصة ومن الأهمية أن يتخذه كل من يعمل في التربية الخاصة قدوه يقتدي بما فيه عند تعامله مع ذوي الاحتياجات الخاصة ) منقول
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بذوي الاحتياجات الخاصة | |
|